وهذه المعطيات وغيرها، أوردناها في البيان الختامي، إضافة إلى أننا نددنا بكل المحاولات الرامية إلى احتواء القضية الأمازيغية والالتفاف على المطالب المشروعة للحركة الأمازيغية، واعتبرنا أن مطالبنا غير قابلة للتجزيء ولا للمساومة، وما الشعارات التي ترفع من قبيل "العهد الجديد" والانتقال الديمقراطي" ?"دولة الحق والقانون".. الخ، إلا واجهة لإخفاء الحقائق والتهرب من الاستجابة لتطلعات الشعب المغربي في التقدم والحرية والعيش الكريم، لذا يجب المزيد من النضال من أجل إقرار ديمقراطية حقيقية بالمغرب.
أما في ما يتعلق بالساحة الجامعية، فقد جددنا المطالبة بضرورة وضع ميثاق وطني طلابي ضد الإقصاء والعنف، وذلك بمشاركة مختلف المكونات "الأوطمية" وكذا الجماهير الطلابية، وسجلنا تنامي سلوكات لا حضارية وغير مسؤولة داخل الحرم الجامعي في ظل الإجهاز المخزني على مكتسبات وحقوق الطالب المغربي. كما ألححنا على ضرورة فتح حوار وطني جدي بين المكونات الطلابية من أجل البحث عن سبل عقد مؤتمر "أوطمي" لتوحيد صفوف الحركة الطلابية في أفق خوض معارك نقابية موحدة بعيدة عن الانفرادية وعن كافة أشكال الاستغلال السياسوي للملف النقابي، إضافة إلى تأكيد رفضنا لكل الخطوات الهادفة إلى خوصصة أوطم والانفراد بها.
وفي أبريل سنة 2003 انعقد اللقاء الوطني الثالث بمدينة أكادير ليستكمل ويرسخ العمل الوحدوي المنظم، ويبحث في المواضيع المدرجة للنقاش، ومنها آليات تطوير التنظيم الداخلي، وكيفية التعامل مع الشق النقابي والساحة الجامعية وتقييم مختلف المستجدات، واتخاذ المواقف المناسبة من بعض الأمور والقضايا المستجدة، وكذا تحديد آليات تفعيل "حركة إمغناس" والهيئة الوطنية للمتابعة، وانتخاب تنسيقية وطنية جديدة، ومتابعة تنفيذ ما تم الاتفاق عليه بين المواقع الجامعية للحركة الثقافية الأمازيغية، وغيرها من المواضيع التي تطرقنا إليها بالتفصيل في البيان الختامي، الصادر عن هذا اللقاء الوطني الثالث، ومن هنا فاللقاء الأخير اعتبر مهما للغاية لكونه أعطى نفسا جديدا للحركة وبدأنا نقطف ثمار العمل الجدي الذي بدأناه منذ سنوات، وذلك رغم العراقيل التي اعترضتنا، والظروف غير الملائمة.
وانطلاقا من هذه المعطيات والوقائع يمكن تحديد أهم التحولات التي عرفتها الحركة الثقافية الامازيغية من المؤتمر الأول أو اللقاء الوطني الأول إلى اللقاء الثالث في مايلي:
-تطوير الآليات التنظيمية وتجديدها، وخلق عدد مهم من الورشات في هذا الميدان،
-توحيد الخطاب والمواقف، وتعميق النقاش في المفاهيم والمجالات المغربية المختلفة، ووضع تصور شامل لمختلف القضايا المطروحة للتداول والنقاش،
-تنسيق الجهود للدفع بحركتنا إلى آفاق أوسع ومستقبل أفضل،
-تطوير الأداء الإعلامي وتوفير الشروط من أجل خلق منابر إعلامية مكتوبة وإلكترونية، وهناك لجن تعمل في هذا الإطار،
-ظهور مواقع جامعية جديدة للحركة الثقافية الامازيغية، وصلت إلى حدود 11 موقعا جامعيا، وتكاد تغطي الخريطة الجامعية المغربية (مكناس، فاس، الرباط، الدارالبيضاء، وجدة، أكادير، الراشيدية، طنجة، تيطاوين، مراكش والقنيطرة)? زيادة على بعض اللجن التحضيرية في بعض الجامعات الأخرى،
-تكريس ديمقراطية داخلية عن طريق انتخاب اللجن المسؤولة والتنسيقية الوطنية،
-حضور قوى ومستمر في الساحة الجامعية، وتجاوب جماهيري كثيف ومنقطع النظير، وتظاهرات بآلاف الجماهير الطلابية في بعض المواقع الجامعية، واكتساب احترام معظم المكونات الطلابية،
-تنظيم أيام الطالب الجديد في بداية الموسم الجامعي وكذا أنشطة ثقافية منتظمة،
-جعل استقلالية الإطار في مقدمة اهتماماتنا، ودفعنا من أجل ذلك ثمنا غاليا عبر سيرورة نضالية شاقة.
هذا، إضافة إلى العديد من الإنجازات والتحولات التي عرفتها الحركة الثقافية الامازيغية منذ نشوئها إلى الآن، والتي تؤكد نجاح السيرورة النضالية للحركة، رغم أنها حديثة العهد بالساحة الجامعية إذا ما قارنها بالمكونات الأخرى، ولكن هذا لا يعني أننا ربحنا المعركة، وإنما يشير فقط إلى المجهود الذي بذلناه من أجل تطوير إطارنا وتجديده باستمرار في ظل أوضاع غير مواتية، وعراقيل كثيرة حالت دون تحقيق كل أهدافنا ومتمنياتنا. ـ ماهي الإضافة التي قدمتها الحركة الثقافية الامازيغية على المستوى النضالي في الساحة الجامعية، وأيضا في مجال العمل الجمعوي الأمازيغي؟
إن الحديث عن الإضافة أو الإضافات التي قدمتها الحركة الثقافية الامازيغية على المستويين الجامعي والجمعوي يتطلب معرفة تصور هذه الحركة للعمل النقابي ونوعية الخطابات السائدة داخل الجامعة المغربية وكذا يقتضي منا الوقوف عند دور الحركة في تنشيط وتكثيف العمل الجمعوي الجاد في مختلف المناطق المغربية.
إن الحركة في حد ذاتها إضافة نوعية للساحة الجامعية، وليست مجرد رقم ينضاف إلى المكونات الطلابية الأخرى، ومن هنا حملت مشروعا مهما من أجل تجاوز الأزمات التي تحف بأوطم والمشاكل التي تعيشها الساحة الطلابية، رغم صعوبة هذه المهمة، إذ لابد من التذكير بأن إرث الماضي لازال شبحا يخيم على مستقبل الطالب المغربي، ولا تزال العقلية الإقصائية سائدة عن بعض الأطراف، وكذا الفكر الإطلاقي الذي يؤمن بالعنف بمختلف تمظهراته إضافة إلى ظهور قطاع واسع من الطلبة الذين لايهتمون بالسياسة ولا بالنضال، وتم تمييع النقاشات بين المكونات، إذ يتم التركيز على الفرجة عوض الإفادة، بل هناك ما هو أخطر، والمتمثل في بعض الأطراف التي تحاول احتكار "أوطم" بإسم التاريخ أو خوصصته عن طريق عقد مؤتمر يضم طلبة مكون واحد وفقط، أو ظهور من يدعو إلى تعددية نقابية لتفتيت الوحدة الطلابية وإقبار "أوطم".
أمام هذه الأوضاع المزرية، عمدت الحركة إلى تصحيح الاختلالات وإعادة الحيوية إلى الساحة الجامعية عن طريق توعية الطالب المغربي، وتنويره بثقافة الالتزام بقضايا الشعب والاهتمام بكافة مجالات الحياة اليومية، والتركيز على التأطير والتكوين المعرفي والسياسي الذي يؤهل الطالب المغربي للانخراط في قضايا وطنه ومجتمعه، وكذا تشجيع الاجتهاد والإبداع ومحاربة الفكر المتطرف بشتى تمظهراته عن طريق فضح أسسه وتعرية مرجعيته، كما نقوم بتنظيم أنشطة ثقافية وتوعوية لحث الطالب على نبد ثقافة الخضوع وعقلية القطيع، ومن ثم التأسيس لحوار مفتوح مع الجميع وبدون استثناء أي طرف فاعل داخل الساحة الجامعية، والعمل على إعادة الاعتبار إلى مبادئ "أوطم" التي تم تحوير مضامينها من طرف بعض المكونات الإقصائية لتكون على مقاسها وفقط، وهذا ما رفضناه لأن المبادئ واضحة ولا يمكن التلاعب بها، خاصة في ظل ظهور تروعات أو اتجاهات تحاول فرض الوصاية على الجماهير الطلابية وتزرع الرعب في صفوفها من أجل جرها بالقوة للانخراط في بعض المعارك الوهمية ذات الطابع الاستعراضي والسياسوي. ولذلك نناضل من أجل الالتزام بمبادئ "أوطم" (الجماهيرية، التقدمية، الديمقراطية، والاستقلالية) وأعرافها، وذلك حتى لا تصبح المنظمة مجرد دمية تتلاعب بها القوى السياسية في خارج الجامعة وغياب الاستقلالية عند بعض الأطراف تجعلهم قطيعا طلابيا ينفذ أوامر القيادة الحزبية دون أن يشارك الطلبة في بلورتها، وهذا ما جعل "أوطم" منذ نشأته مجالا لحسم الصراعات الحزبية والسياسية. فبعد أن كان قطاعا موازيا لحزب الاستقلال منذ البداية، تحول منذ أواخر الخمسينات وبداية الستينيات، إلى ذيل تابع للاتحاد الوطني للقوات الشعبية، ثم صار في السبعينيات، وبالخصوص إبان المؤتمر 15? نواة لحزب ثوري يهدف إلى القيام بالثورة من أجل حسم السلطة السياسية، وذلك في ظل سيطرة القوى المتمركسة على هذه المنظمة الطلابية في تلك الفترة، وعاد "أوطم" في المؤتمر 16 إلى حظيرة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، بل إن الضربات التي تلقاها إطارنا (أوطم) من طرف النظام المغربي كانت قاتلة، إضافة إلى المشاكل الداخلية والمنازعات بين المكونات الطلابية، وهذا ما جعله يدخل في مأزق حقيقي مباشرة بعد 1981.
إن استحضار هذه المعطيات ضروري لفهم تصورنا، لأننا نعتبر "أوطم" تم استغلاله سياسيا، وكذلك تحريفه عن مساره الحقيقي الذي هو خدمة الطالب المغربي وقضاياه المصيرية، وهذا ما فتح الباب أمام التدخل المخزني للإجهاز على ما تبقى من مكتسبات الجماهير الطلابية وآخرها تطبيق بنود الميثاق اللاوطني للتربية والتكوين، والذي رفضته الحركة الثقافية الأمازيغية وأغلب المكونات الفاعلة في الساحة الجامعية.
ومن جانب آخر، استطعنا بنقاشاتنا، وحججنا وبخطابنا العلمي أن نحاصر الخطاب القوي العروبي الذي طالما حارب أصحابه الأمازيغية، واتهموا المناضلين الأمازيغيين بشتى الاتهامات المجانبة، والنعوت القدحية، من قبيل: عملاء الاستعماء، أنصار "الظهير البربري"? فاشيين، عنصريين وشوفينيين، خونة ورجعيين..الخ ووظفوا مختلف الأساليب الحقيرة من أجل التهجم علينا، وثنينا عن مواقفنا إلى حد استعمال الأسلحة البيضاء، والتهديد بتحويل الساحة الجامعية إلى برك من الدماء. لكن إرادتنا كانت قوية واستطعنا أن نفضح هذا الخطاب العروبي الإقصائي الذي يظهر متشحا بالماركسية تارة وبالإسلام تارة أخرى عند المكونات الإسلامية في الساحة الجامعية. وقد عملنا على نقد أسس هذا الخطاب الإقصائي، والكشف عن خباياه وأخطاره، وبذلك جعلنا هذا الخطاب يعيش أنفاسه الأخيرة، وبدأت المكونات الأخرى تتخلى شيئا فشيئا عن الملامح القومية في خطابها، وإن كان ذلك تقية سياسية ربما ذات طابع مرحلي وفقط. لكن حدث الأهم بالنسبة إلينا، فبعد أن كان من يتحدث عن موضوع الامازيغية منبودا، ويرمى به إلى خارج حلقات النقاش، أصبحت القضية الأمازيغية هي الموضوع الأساسي في جل النقاشات الأوطمية، وتتجنب معظم المكونات الطلابية المس بالأمازيغية أو الإنكار الواضح للحقوق اللغوية والثقافية الأمازيغية، كما أن الحركة تخلد ذكريات الشعب الأمازيغي في كل مكان، وتركز على بطولات الشعب المغربي (ذكرى استشهاد محمد بن عبد الكريم الخطابي، إعادة الاعتبار إلى رموز المقاومة وجيش التحرير (موح وحمو الزياني، عسو ؤباسلام، عباس لمساعدي.. الخ)? ذكرى اغتيال الشهيد معتوب لوناس، التضامن مع مختلف الشعوب المضطهدة كواجب إنساني، وتبني قضية شعب الطوارق الأمازيغي، وغيرها من المحطات التاريخية والنضالية.
إن الوقوف عند هذه المحطات هو إعادة للاعتبار إلى التاريخ المغربي الذي تم تزويره، ودعوة إلى إعادة كتابته بطريقة علمية وموضوعية. وقد استحضرنا هذه المعطيات لنؤكد أن مثل هذه المحطات كان مغيبة في الساحة الجامعية، إذ كانت المكونات الطلابية الأخرى تركز على رجالات وتاريخ الشرق الأوسط على حساب التاريخ المغربي، والأبطال الذين استشهدوا من أجل حرية وطنهم، وهكذا كانوا يحتفلون بذكريات ترتبط ببعض تجار "إيكس ليبان"? ويجدون كل ما يتعلق بالعراق وفلسطين إلى درجة أنهم استوردوا حتى الشعارات الجاهزة التي يرفعونها في ملتقياتهم وتظاهراتهم. أما الهدف بالنسبة إلينا فهو التركيز على قضايا الشعب المغربي بالدرجة الأولى، والاهتمام بتاريخنا وأبطالنا عوض تقديس الشرق الأوسط واحتقار الذات المغربية.
ومن جانب آخر، دعونا مرارا إلى وضع ميثاق وطني طلابي ضد العنف والإقصاء، وتسييد ثقافة الحوار المسؤول، وتبني قيم الاختلاف البناء، والمرجعية النسبية، والاعتراف المتبادل بين جميع الأطراف الفاعلة في الساحة الجامعية، وخوض معارك نقابية موحدة ومشتركة للدفاع عن مصالح الطالب المغربي، وتجنب الانفرادية والأنانية، كما يجب التعاون من أجل التصدي للمخططات التخريبية المحدقة بالجامعة المغربية، والتمسك بإطارنا العتيد "أوطم" والدفاع عنه والبحث عن الكيفية المناسبة لإعادة منظمتنا إلى سكتها الحقيقية، وذلك دون أي محاولة من أي طرف كان لاحتكار هذه النقابة الطلابية، أو لجعلها قطاعا خاصا به مهما كانت المبررات لأن "أوطم" منظمة نقابية مفتوحة أمام جميع المكونات والجماهير الطلابية، وبطبيعتها قائمة على تعدد وجهات النظر والتصورات، وهذا ما يضمن فعاليتها وحيويتها المستمرة.