أما الذين يتحملون المسؤولية داخل أجهزة هذا الحزب والأحزاب الأخرى، والذين يدعون انهم ينتمون إلى أصول جغرافية أمازيغية، فهم، كما قال الأستاذ عبد الله زارو، "إشلحين ن سربيس". ويمكن، حسب رأيي، أن نسميهم "بربرا" لاعتبارات سبق أن فسرتها. وهناك نوع آخر من الذين يعتبرون أنفسهم سباقين لطرح الأمازيغية طرحا تقدميا، لكن على مستوى الممارسة لم نر شيئا، بل قاموا بعرقلة نضال الحركة الثقافية الأمازيغية. والآن بدأنا نسمع بالطرح "الديموقراطي" الجذري للأمازيغية(15) كأن نضال الحركة الأمازيغية نضال سطحي، وإبداع أشكال نضالية متطورة لدعم التقدمي داخل الحركة الأمازيغية(15). فالتقدمية ليست صفة مرتبطة بخط إيديولوجي وسياسي معين، وليس كل من قرأ كتابا مترجما إلى اللغة العربية لماركس (مع كامل احتراماتي للفكر الماركسي) فيعتبر نفسه تقدميا. وحث كل المناضلين الديموقراطيين على التواجد النضالي والميداني ضمن الحركة الأمازيغية لتخليصها من كل نزوع شوفيني ومخزني(15)، أي أن النهجويين يتمنون التواجد داخل الحركة الأمازيغية ليس لتنمية الأمازيغية بكافة تجلياتها، بل يريدون تقوية موقعهم في المشهد السياسي على ظهر الحركة الأمازيغية وتخليص هذه الأخيرة من مناضليها الشرفاء الذين لا يقبلون المساومة على حساب القضايا الحقيقية للشعب المغربي، وربما أتاكم حديث المؤتمر الرابع للبيان الأمازيغي والنقاش الحاد الذي طرحه مناضلو الحركة الأمازيغية، وليس النهج الديموقراطي حول استقلالية الإطار السياسي المزمع إنشاؤه.
في أن الأمازيغية مكون للهوية المغربية: من المعلوم أن الهوية هي مجموعة من الخصائص التي تجعل شعبا ما يتميز عن باقي الشعوب الأخرى. ومحدداتها الثابتة: اللغة، الثقافة، الأرض والتاريخ. الهوية في فهم الحركة اللاوطنية وأذيالها تقوم على دعامتين: العروبة والإسلام، وكذلك عند الحركة الإسلاموية. فالهوية المغربية إسلامية ثابتة، رغم أن الإسلام لا يمحو هويات الشعوب، وآراء تقول إن الهوية المغربية "لحمتها عربية" ولم تتحدث عن "عظمها". فاللحم يمكن أن يتبدل ويتغير حسب الظروف عكس العظم الذي يبقى ثابتا. فإذا كانت لحمتها (الهوية المغربية) عربية فعظمها ـ الذي يتعتبر الأساس ـ أمازيغي. ومن يقول إن الهوية المغربية هي الهوية المغربية، فالانتماء إلى المغرب يتعلق بالجنسية والانتماء القطري وليس بالانتماء الهوياتي. وعند شعور Iodawen n tudert، على حد تعبير الشهيد معتوب لونيس بحرارة الأمازيغية بدأوا يتحدثون عن بعد أمازيغي داخل الهوية المغربية كأنهم يتصدقون علينا. فالهوية لا يؤسس لها عرقيا أو دينيا، ولكن يؤسس لها فلسفيا. فلا يمكن أن تكون أنت هو أنت وفي نفس الوقت شيئا آخر غير ما أنت عليه. فالهوية المغربية هوية أمازيغية، دينها الإسلام ولغاتها الأمازيغية والعربية. أما شخصيته فمتعددة، عربية إسلامية إفريقية كونية ومفتوحة على التعدد بما سينضاف إليها في إطار عملية المثاقفة.
حول تسييس الأمازيغية: من المعلوم ان الدولة المغربية، ومعها الأحزاب السياسية، لم تتحمل مسؤوليتها في الدفاع عن الأمازيغية بكافة أبعادها، واختزلتها في الفلكلور واعتبرتها ثقافة شعبية وشفوية أي دونية غير قادرة على إنتاج ثقافة عالمة. وعندما بدأ الخطاب الأمازيغي يتجذر في صفوف كافة الشرائح الاجتماعية (تجار، طلبة وتلاميذ، أساتذة، فنانون...)، وبدأوا هم أيضا يمارسون السياسة لكن بعقلية وإيديولوجية أمازيغية، الأمر الذي يحرج النخبة التي تريد احتكار المجال السياسي وحدها وتتعامل بمنطق حلال علينا حرام عليكم. العربية سيّست والفرنسية سيّست في حين أن الأمازيغية حرام أن تسيّس (يجب التفريق بين التحزيب والتسييس) ويصيحون: لا للاستغلال السياسي للأمازيغية. عكس الحركة الأمازيغية، التي تدين التعامل الانتهازي والمناسباتي مع الأمازيغية، خصوصا عند اقتراب موعد الانتخابات حيث يلاحظ هذه الأيام الحملة التي تقوم بها الأحزاب، لكن اللغة الأمازيغية لا تقبل الكذب، وتفضح هؤلاء البربر وأسلوبهم الركيك دليل على ذلك، من قبيل: ”أيتما، أيسما صوتت خ لحزب، المعركة تصعب“.
الأمازيغية ملك لكل المغاربة، كلنا أمازيغ، الأمازيغية قضية وطنية: كلمات حق يراد بها باطل. تردد هذه العبارات في بعض الأحيان لمواجهة المطالبين بالحقوق الشرعية للأمازيغية ويعتبرهم البعض أوصياء على الشعب المغربي، أي ليس للمناضلين الأمازيغيين الحق في الدفاع عن وجودهم، وعليهم الارتكان والانتظار وألا يبادروا بشيء إلى أن يهب الشعب المغربي فجأة للمطالبة بحقه. وعندما تقول الحركة الأمازيغية: كل المغاربة أمازيغ، يأتي الآخرون ليقولوا ”ليس بإمكان أي مغربي أن يقول أنا أمازيغي أو عربي مائة في المائة“ (تصريح إدريس لشكر لجريدة "مغرب اليوم الجديد"، عدد 6)، في حين جاء في جريدة الاتحاد الاشتراكي عدد 6815: ”وكان شعبنا المغربي العربي الأصيل بهذا الخصوص أكثر قدرة على التعبير...“. سبحان الله مبدل الأحوال؟!
في أن الأمازيغية قضية وطنية: أي أنها ليست قضية جهوية أو إقليمية أو عرقية أو طبقية، بل هي قضية الشعب الأمازيغي المغاربي، وليست قضية العالم القروي بالمناطق الأمازيغية (تصريح عبد الإله بن كيران لجريدة "مغرب اليوم الجديد"، عدد6). هكذا يتضح من كل ما سبق رصده من آراء أن أعداء تيموزغا يحاولون خداع الشعب المغربي بادعائهم أنهم كانوا السباقين للنضال لصالح الأمازيغية، وبدؤوا يشعرون بأن الحركة الأمازيغية سارية في سحب البساط من تحت أقدامهم، الأمر الذي يؤرقهم باعتبار أن الخطاب الأمازيغي هو الخطاب الوحيد النابع من التربة المغربية (أي المغرب الكبير) ولم يأت من الشرق ولا من الغرب، وباعتبار الحركة الثقافية الأمازيغية حركة تحررية وامتدادا للمقاومة المسلحة وجيش التحرير، وخطابها علميا قوامه الواقعية والحداثة والنسبية، ومناضليها يزدادون يوما عن يوم والإيديولوجية الأمازيغية ـ إن صح التعبير ـ بدأت تعبر عن نفسها بفضحها وتكسيرها لمجموعة من الطابوهات(15)، وقامت بإعادة النظر في مجموعة من المسلمات والقضايا التي اعتبرت من البديهيات.
لهذه الاعتبارات كلها، فمن كان بالأمس يهاجم ويتهم إيمازيغن بتهم متنوعة، والآن يريد التكفير عن ذنبه، عليه بداية أن يقدم للمحاكمة وأن يعتذر للشعب المغربي ويقول له الأسباب والأطراف التي من مصلحتها إقبار ذاكرة الأمازيغية، ولماذا كان يقوم بتسخير أموال الشعب من أجل تدمير لغته والقضاء عليها، وغدره لنا لما كنا أطفالا وتزويره لنسبنا لاستعماله في مشاريع القومية العربية(17). وما يقلق هذه النخبة هو أن يزداد وعي الشعب المغربي بذاته الأمازيغية. آنذاك سيتساءل عمن كان السبب في اضطهاد وجوده. وتخشى هذه النخبة فقدانها لامتيازاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ومن ثمة فهي مستعدة للتصدي لأي خطاب يظهر في الساحة الوطنية مثل الخطاب الأمازيغي الذي بدأ يزاحمها. وما على المناضلين الأمازيغيين إلا المزيد من النضال والصمود، واستلهام روح شهدائنا وآخرهم شهداء الربيع الأسود بمنطقة القبايل. وأقول للمتملقين: قطف الأزهار هذا شيء ممكن، لكن من المستحيل وقف زحف الربيع، خصوصا إذا كان الربيع أمازيغيا. ويقول المثل الأمازيغي(18): Benpeddi yra d taghsayt isi t a benpeddi
الهوامش:
1 ـ محمد العربي المساري، "المغرب بأصوات متعددة"، سلسلة "شراع"، عدد 2، أبريل 1996، صفحة 48، 49.
2 نفسه، صفحة 60.
3 ـ "وثائق سرية حول زيارة الأمير شكيب أرسلان للمغرب: أسبابها، اهدافها ونتائجها"، عرض وتعليق محمد بين عزوز حكيم، مؤسسة عبد الخالق الطريس للثقافة والفكر، تيطاوين 1980، صفحة 37.
4 ـ جريدة "أكراو أمازيغ"، عدد 77.
5 ـ تاريخ ابن خلدون، المجلد 6، دار الكتب العلمية، بيروت، طبعة أولى 1992، صفحة 112 ـ 113.
6 ـ الناصري، "الاستقصا"، الجزء 1، صفحة 74.
7 ـ وصف إفريقيا، الحسن بن محمد الوزان الفاسي، ترجمة عن الفرنسية محمد حجي، محمد الخضر، دار الغرب الإسلامي، بيروت، طبعة 2، الجزء 1، صفحة 74.
8 ـ Berbères, une identité en construction. R.O.M.M, Edisud, n°44, 1987, 2, page 49.
9 ـ جريدة تامازيغت، عدد 42.
10 ـ اقرأ الجزء 5 للقسم المتوسط الثاني، ألفه وأشرف على إخراجه احمد بوكماخ، الطبعة 1، دار الفكر المغربي، صفحة 2.
11 ـ حزب الاستقلال، التقرير المذهبي، مؤتمر 12، 1989، مطبعة الرسالة، صفحة 16.
12 ـ مصطفى محسن، "التعريب والتنمية"، سلسلة شراع، عدد 56، يونيو 1999، صفحة 29 ـ 45.
13 ـ انظر جريدة الاتحاد الاشتراكي، عدد 6914، وعنوانا عريضا بالصفحة الأولى: الحكومة المغربية تعطي كل الدلائل التاريخية والقانونية التي تثبت سيادة المغرب على جزيرة "ليلى". هذا مثال فقط.
14 ـ جريدة مغرب اليوم الجديد، عدد 7.
15 ـ جريدة النهج الديموقراطي، عدد 70 و 68/67. ومن غرائب الصدف ربما أن المطبعة أدركت كذب هؤلاء فبدل أن تكتب لغة تيفيناغ بلاد تامازغا، كتبت تيسناغ بلاد تاموزغا.
16 ـ مثل الظهير الذي نعت بالبربري. رغم ذلك فالبعض لا زال متشبثا به. انظر جريدة العلم عدد 19101.
17 ـ من الأمور العالقة في ذهني لما كنت تلميذا في القسم السادس من التعليم الابتدائي، وفي إطار الأنشطة الموازية قام المعلم بتحفيظنا نشيدا مطلعه: سجل أنا عربي.
18 ـ معناه: المختال يصطنع لنفسه "مشروعية" تخوله حقوقا ما هي بحقوق (محمد شفيق، المعجم العربي الأمازيغي، الجزء 3، صفحة 486)